[b][font=Comic Sans MS][color=#000080]أحبائي..
[/color][/font][/b][font=Comic Sans MS][color=navy][b]مساؤكم اشتياق. منذ متى لم نلتق؟ ربما منذ عشرة أعوام و كتابيْن.
أو لعلّ قبل روايتين و قرن. فمرحباً ألف، لقد اشتقتكم لمليون سنة، فالحبّ لا عقارب لساعته.
اعذروا ارتباكي. حبّكم حالة ضوئيّة، و أنا سيّدة العتمة. فأطفئوا كلّ هذه الأضواء الكاشفة، و أشعلوا قناديل القلب. أخشى أن أترك جناحيّ غبارا في حضرتكم.
كم تربكني المظاهر الاحتفائيّة. لكنّها بيروت نصبت لي كمين محبّة، فوقعت فيه.
نحن دائما ضعفاء أمام المحبّة، في كرمها و تلقائيّتها. فكيف أردّ على هذا الاجتياح العاطفي بما يضاهيه سخاءً.
لا يُولد الكاتب مرّة واحدة. إنّه يولد بعدد وقوعه في الحبّ.
و لا تُنجبه مدينة واحدة. له من الأمّهات بعدد ما سهرت عليه من مدن. لذا لكلّ كاتب مسقطا لرأسه، و آخرلقلبه، و ثالثة لقلمه.
ثمّة مدنا نسكنها و أخرى تسكننا. و مدنا نكتبها و أخرى تكتبنا.
لذا ما من كاتب عربي إلّا و كتبته بيروت، حتى من قبل أن يزورها. لا يحتاج أن يُقيم فيها هي التي تُقيم فيه.
لأنّ قرابة الحبر أقوى من قرابة الدم، ما من كاتب عربي إلّا و خان وطنه مع بيروت.
ثمّة في حياة كلّ كاتب عربي، ما قبل و ما بعد بيروت. فلا أحد غادرها إلّا و به لفحة من جمالها و مسّ من جنونها.
يقول "ابن العربي" المكان الذي لا يُؤنّث لا يُعوّل عليه" هل تعرفون بين المدن من يفوق بيروت أنوثة؟
هي مليحة العرب، و هي أنثانا.. و هي ستّ الدنيا.. و ستّنا.. و أمّنا.. و قبيلة نساء في امرأة.
تأتيها كاتباً نكرة، فلا تسألك عن أصلك. في الأدب لا تحتاج إلى نسب. أنت تنتسب إلى قلمك.
إن كان كلّ مبدع يتيما حسب قول نزار. فلا مبدع دخل بيروت إلّا و غدا له في رحابها أهلاً و عشيرة، و عاش فيها شيخ قبيلة. فشجرة عائلته تغدو هنا غابة بعدد قرّائه، و لهذا السبب بالذات أصبحت بيروت أمًّا كلّ كاتب، و تُوّجت منذ الأزل عاصمة الكِتاب.
هي إن أحبّتك و آمنت بموهبتك، لا تساويك بأبنائها و كتّابها فحسب، بل و تُفضلك عليهم حدّ إحراجك. فتودّ لو أنّك كتبتَ ما لم يكتبه أحد، كي تكون ابنها البار و كي تظلّ أهلاً لحبّها.
بينما أكثر من مدينة عربيّة، إن أقمت فيها، ناصبتك العداء حال نجاحك، و عاقبتك بالحصار و الجحود و الإقصاء. و لذا مرّ كلّ الكبار من هنا، و من هنا سطعوا. فلا سماء غير بيروت قَبِلَتْ بهم نجوماً على أرضها.
لكلّ هذا، أُعلن بيروت أمي بالتمنّي. و أُشهر بشهادتكم لبنانيّتي. فبيروت لم تأخذ بيدي بل أخذت بقدري.
إن لم يكن لبنان مسقط رأسي فهو مسقط قلبي. و إن لم يكن الوطن الذي لم تختره المصادفة الجغرافيّة لأكون ابنته، فلقد اخترته قبل ثلاثين سنة بملء إرادتي ليكون وطناً لأولادي و جواز سفري الثاني. و فخري و زهو عروبتي. هي بيروت. لا تُصادقك.. تتبنّاك. لا تدعوك إلى مائدتها، بل تفتح شهيّتك للحياة. لذا لا نجاة منها، فبعدها لن تعرف العيش في مكان آخر.
إنّها الممرّ الحتميّ لأمنياتك. هي مدينة حريّتك بل كلّ حرّياتك. من سواها تأتمنها على جنونك و تورّطها في قضاياك و في أحلامك؟
هي مدينة المعاصي.. و مدينة العصيان إن شاءت. هي مدينة المقاول و المقاوم و الأقلام الوسيمة الشامخة، التي تسقط في عزّ عنفوانها مخضّبة بدمها، مقابل مبدإٍ و حفنة من الكلمات.
هي مدينة جبران تويني و سمير قصير.. و الجميلين الراحلين الذين ما زال مذهول بهم ترابها.
هي مدينة المقاومة بكلّ أنواعها و تسمياتها، فكيف لا تنتسب إليها أنت القادم من جزائر العروبة و الشهداء.
أحبّتي..
جئتكم قبل 15 سنة من الآن، فرسًا جامحة ترفع راية الذاكرة.. كم أثارت حوافري يومها من زوابع.. لكنّني مذ "[color=red]ذاكرة الجسد[/color]" بلغت سنّ الحكمة. ها أنا أعود اليوم إليكم لأطالب بالنسيان. إن كان من واجب الشعوب أن تتذكّر فمن حقّ الأفراد أن ينسوا.
لذا حرصتُ أن أُهديكم اليوم [color=darkgreen]كتابيْن[/color]. أحدهما سياسيّ، [color=red]يخصّ محنة العراق كما عشنا احتلالها و دمارها،[/color] [color=red]في أكبر عمليّة سطو دولي عرفها التاريخ[/color]. إنّه توثيق لدموعنا، و لقهرنا، و لما عانيْنا على مدى 8 سنوات، من جيوش كانت تدّعي أنّها من جنس الملائكة، بينما كانت قلوبها معنا و قنابلها علينا، على زمن السيّد بوش المبعوث رحمة للعالمين، الذي بايعه بعض سادتنا وليًّا صالحًا، و قدّموا له قرابين الولاء، و ما توقّعوا أن ينتهي به القدر من مجرى التاريخ إلى مجاريه، فهو اليوم حسب اعترافه، يقضي وقته بأمر من زوجته لورا، حاملًا كيسًا من البلاستيك يجمع أوساخ كلبه "بارني" في حيّه السكني في دالاس.
فهل من يعتبر مما آل إليه هذا الإله الصغير!
أنصحكم أن تقرؤوا كتاب "قلوبهم معنا و قنابلهم علينا"، حتى لا تنسوا أنّنا بكينا.
كما أنصحكم أن تقرؤوا "[color=red]نسيانcom.[/color] " حتى تتذكّروا أمام كلّ خيبة عاطفيّة أنّ عليكم أن تنسوا. فلا شيء يستحقّ دموعكم... فالذي يستحقّها حقًّا ما كان ليبكيكم.
مساؤكم نسيان أحبّتي...
لا أعرف أمنية أجمل. لكنّنا ننسى أن نتبادلها. كأنّ النسيان شبهة تفوق شبهة الحبّ نفسه. فالحبّ سعادة. أمّا السعي إلى النسيان فاعتراف ضمني بالانكسار و البؤس العاطفي. و هي أحاسيس تثير فضول الآخرين أكثر من خبر سعادتك. لكنّ الاكتشاف الأهم هو أنّ المتحمّسين لقراءة "وصفات للنسيان" أكثر من المعنيّين بقراءة كتاب عن الحبّ.
النساء و الرجال من حولي جميعهم يريدون الكتاب نفسه. أوضح للرجال " و لكنّه ليس كتاب لكم" يردّون " لا يهم في جميع الحالات نريده!".
كلّ من كنت ظننتُهم سعداء، انفضحوا بحماسهم للانخراط في حزب النسيان. ألهذا الحدّ كبير حجم البؤس العاطفي في العالم العربي؟
أمام هذه الجماهير الطامحة إلى النسيان. المناضلة من أجل التحرّر من استعباد الذاكرة العشقيّة. أتوقّع أن يتجاوز كتاب “نسيان.”com أهدافه العاطفيّة إلى طموحات سياسيّة مشروعة. فقد صار ضروريًّا تأسيس حزب عربيّ للنسيان، سيكون حتمًا أكبر حزب قوميّ. فلا شرط للمنخرطين فيه سوى توقهم للشفاء من الخيبات العاطفيّة. أراهن أن يجد هذا الحزب دعمًا من الحكّام العرب، لأنّهم سيتوقّعون أن ننسى من جملة ما ننسى، منذ متى و بعضهم يحكمنا و كم نهب هو و حاشيته من أموالنا، و كم علقت على يديه من دمائنا.
دعوهم يعتقدون أنّنا سننسى ذلك!
[color=red]لأنّنا نحتاج أن نستعيد عافيتنا العاطفيّة كأمّة عربيّة عانت دومًا من قصص حبّها الفاشلة. بما في ذلك حبّها لأوطان لم تبادلها دائمًا الحبّ[/color]. أنتظر أن تنخرطوا معنا في هذا الحزب الجديد، الذي لا ذاكرة له و لا سوابق مصرفيّة و لا تاريخ دموي و لا شعارات نضالية، ليس في مشروعنا من خطّة سوى مواجهة إمبرياليّة الذاكرة، و العدوان العاطفي للماضي علينا. ليس في جيوبنا وعود بحقائب وزاريّة، فقط نعدكم بأن نحمل عنكم وزر الخيبات. لا نتوقّع دعمًا ماديًّا من أحد لذا نحن فقراء إلى دعواتكم بالخير.
لقد كتبتُ "دليل النسيان" هذا بعد أن تعبتُ من نجدة حلقة الصديقات و قبيلة القارئات من حولي اللائي يعشن بالتناوب أسى الخيبات العاطفيّة.
ما تصوّرت يوما أني سأغدو شيخة طريقة في الحبّ، و لا واحدة من فقهاء الشأن العاطفي.
[color=red]بدأت القصّة يوم قلت مواسية إحدى الصديقات "أحبيه كما لم تحبّ امرأة و انسيه كما ينسى الرجال". فصاحت "يا الله أكتبيها..".[/color] و ها أنا كتبتُ كتاب النسيان هذا، عساني أهيّئ النساء لدخول الحبّ بقلب من "تيفال"، لا يعلق بجدرانه شيء الماضي.
ففي النهاية، بماذا يفيد الأدب إن لم يعلمنا كيف نحبّ كما تقول كامي لورانس. و من غير الكاتب يصلح أن يكون مرشدًا عاطفيًّا؟ فإن كان الحبّ يملك شفيعًا و قديسًّا فالنسيان يحتاج إلى آلهة. من أجل هكذا مصائب وُجدت العناية الإلهيّة و وُجد الأدب.
بين أيديكم إذن كتابان لي. أحدهما يُوثّق ذاكرتنا القوميّة. و الثاني يُطالب بحقّنا في النسيان العاطفي.
أأتمنكم على نسياني كما إإتمنكم على ذاكرتي. و أعرف أنّ معكم لا تضيع أمانات الكُتّاب.
اسمحوا لي قبل أن أغادركم. أن أحيّي من هنا مليحة العرب بيروت ممثلة في الأستاذ عبد المنعم العريس رئيس بلدية بيروت، الذي شرّفني بحضوره الكريم و سخاء تقديمه، و منحي درع بيروت و أهلها الذي أفتخر بامتلاكه.
ثمّ هل قلت أنّني أحبّكم؟ و أنّني سأشتاقكم للعشر سنوات القادمة.. و أنّني أضمكم واحداً واحداً.
شكراً لجمال حضوركم.
أحلام مستغانمي 16 يوليو 2009[/b][/color][/size][/font]